السبت، 17 سبتمبر 2011

من كتاب : الإسلام السياسي

~ لا تقولوا الديموقراطية كفر ! ~

 

الحضور الإسلامي على الساحة العالمية طولاً و عرضاً من أقصى المغرب في الولايات المتحدة الأمريكية ( 6 ملايين مسلم بين سود و بيض و مهاجرين ) إلى الجاليات العربية في كندا شمالاً إلى انجلترا و فرنسا و ألمانيا في قلب أوروبا بما فيها من ملايين الجزائريين و المغاربة و العرب و الهنود إلى الشرق .. تركيا و ألبانيا .. إلى القارة الأسيوية الشاسعة حيث نجد دولاً بكاملها إسلامية مثل أذربيجان و أوزباكستان و تركمانيتان و ترستان و كازاخستان و بنجلاديش و باكستان و كشمير و أندونيسيا و جزر القمر إلى القارة الهندية ذاتها و فيها أكثر من مائة مليون مسلم إلى أفريقيا جنوباً حيث الدول العربية من مصر و السودان و أرتيريا إلى لبنان و سوريا و فلسطين و العراق و الخليج و المملكة العربية السعودية و اليمن .. إلى تونس و ليبيا و الجزائر و المغرب و السنغال و موريتانيا على المتوسط و الأطلسي .. إلى الصومال في الحزام الإستوائى .. إلى تشاد و النيجر في عمق الصحراء ..

 

ألف و مليون من البشر أو يزيد تحت راية واحدة هي : راية لا إله إلا الله ..

 

هذا الحضور الكبير بعمقه التاريخي تعرض للحصار و التمزيق و تعرض للتحدي و تعرض للغزو الفكري و تعرض للحروب الفعلية المتعددة من قوى الإستعمار التي نزلت بذاتها و ثقلها في الماضي و نهبت الثروات و حطمت الإمبراطوريات و رحلت بعد أن أعملت التفتيت و التقسيم و التمزيق .. و بعد أن خلقت حدوداً مفتعلة و أقامت زعامات "عميلة" و تركت جروحاً غائرة .. و ظل الإسلام باقياً رغم البلاء ..

 

 

و لما لم تنفع تلك الفتن في القضاء على الإسلام طرحوا علينا الفكرة الماركسية و أغرقونا في صراع اليميني و اليساري و أوقعونا في الخراب الشمولي و الإشتراكي .. و من لم يقبل الماركسية استدرجوه إلى القومية و العروبية .. و الذين تحمسوا للقومية و العروبية نسوا أن الذي جعل للعروبة راية وصوتاً و وحده .. كان الإسلام .. و قبل الإسلام كان العرب قبائل يقتل بعضها بعضاً لا نفير لها و لا راية .. بل إن اللغة العربية ذاتها لم يكن لها ذيوع و لا انتشار قبل القرآن .

 

و دارت الدوائر و سقطت الماركسية و اختفت الشيوعية و افتضحت القومية و تعرت الشعارات الزائفة فاستداروا ليكروا علينا بوجوه جديدة و شعارات جديدة .. هذه المرة اسمها الليبرالية و العلمانية ..

 

 

أما الليبرالية فهي أن تفعل ما تشاء لا تسأل عن حرام أو حلال .. و هي غواية لها جاذبيتها .. فهم سوف يلبون لك شهواتك و لذّاتك .. و لكن لذّاتك ليست هدفهم بل هدفهم عزل الدين و إخراجه من الساحة .. و إبطال دوره .. و أدواتهم هذه المرة هي السينما و المسرح و الملهى و المرقص و البار و الخمور و المخدرات و النساء الباهرات .. و كغطاء فلسفي لتلك الهجمة الشرسة جاءوا بالعلمانية .. دع ما لقيصر لقيصر و ما لله لله !

 

و لله المسجد تصلي فيه و تتعبد و تسجد و تركع كيف شئت .. و لكن الشارع لنا و السياسة لنا و نظام الحياة من شأننا و لا شأن لله فيه و لا أمر و لا نهي لله فيه ..

( نعم للعقيدة و لا للشريعة ) !

 

 

و المعركة ما زالت دائرة و نحن في معمعتها و الراية هذه المرة هي الإسلام السياسي .. نكون أو لا نكون .. و هم مازالوا يفكرون بنا .. فإن خروج الإسلام من الحياة سوف يعقبه خروج الإسلام من المسجد ثم هزيمته الكاملة .. فالإسلام منهج حياة و لا يمكن أن يكون له نصف حياة أو أن يسجن في صومعة ..

 

و لكي يكسبوا المعركة قبل أن يخوضوها جعلوا من الإسلام السياسي خصماً للديمقراطية .. و وقع "السذج" من المسلمين في الفخ فقالوا معهم أن الديمقراطية كفر ! .. و هذا منتهى أمانيهم !

 

و الحق الذي لا مراء فيه أن الإسلام لا يمكن أن يكون خصماً للديمقراطية .. فالإنتخاب و البيعة و الشورى و الإستماع إلى رأى الخصم هو صميم الإسلام .. و التعددية في الرأي أساس في الإسلام .. بينما الإنفراد بالرأي و الديكتاتورية و القهر مرفوض من الإسلام جملة و تفصيلاً .

 

و اليوم و المعركة تدور يجب أن يفهم كل مسلم أين يقف و مع من و ضد من ؟

و سوف يخسر المسلم كثيراً إذا وقف ضد الديمقراطية بل سوف يخسر دينه و سوف يخسر نفسه ..

 

و الحقيقة أن الديمقراطية ديانتنا .. و قد سبقناهم إليها منذ أيام نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه بالحسنى على مدى تسعمائة سنة من عمره المديد لا قوة له و لا سلاح إلا الرأي و الحجة يدعوهم بالكلمة في برلمان مفتوح يقول فيه و يسمع .. بينما هم يسخرون منه و يهددونه بالرجم ..

 

في تلك الأيام كان هؤلاء البهم الهمج هم أجداد أجداد مستعمري اليوم .. و كان نوح النبي عليه السلام هو رسول الإسلام و المتحدث بلسانه ..

 

و حينما خرج النبي محمد عليه الصلاة والسلام في آخر سلسلة الأنبياء .. كان الله مازال يقول له نفس الشيء :

 

( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )

( إن أنت إلا نذير )

( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )

( ما أنت عليهم بجبار )

 

و تلك هي الأصول الحقيقية للديمقراطية فهي تراث إسلامي ..

فإذا قالوا لكم : الديمقراطية

قولوا : الديمقراطية لنا و نحن حملة لوائها و نحن أولى بها منكم

 

و لكنهم سوف يلتفون ليخرجوا بمكيدة أخرى ..

 

فيقولوا : إن الإسلام ليس فيه نظرية للحكم !

و سوف نقول : و تلك فضيلة الإسلام و ميزته .. فلو نص القرآن على نظرية للحكم لسجنتنا هذه النظرية كما سجنت الشيوعيين ماركسيتهم فماتوا بموتها .. و التاريخ بطوله و عرضه و تغيراته المستمرة و حاجاته المتجددة المتطورة لا يمكن حشره في نظرية .. و لو سجنته في قالب ما يلبث كالثعبان أن يشق الثوب الجامد و ينسلخ منه ..

 

و الأفضل أن يكون هناك إطار عام و توصيات عامة و مبادئ عامة للحكم الأمثل .. مثل العدل و الشورى و حرية التجارة و حرية الإنتاج و احترام الملكية الفردية و قوانين السوق و كرامة المواطن و أن يأتي الحكام بالإنتخاب و يخضعوا لدستور .

 

أما تفاصيل هذا الدستور فهو أمر سوف يخضع لمتغيرات التاريخ و هو ما يجب أن يترك لوقته

و الأيديولوجيات التي حاولت المصادرة على تفكير الناس و فرضت عليهم تفكيراً مسبقاً و نهجاً مسبقاً قال به هذا أو ذاك من العباقرة .. ثبت فشلها .

 

و هذا ما فعله القرآن .. فقد جاء بإطار عام و توصيات عامة و مبادئ عامة للحكم الأمثل .. و ترك باقي التفاصيل لإجتهاد الناس عبر العصور .. ليأتي كل زمان بالشكل السياسي الذي يلائمه .. و في خضم الإجتهاد الإسلامي سوف تجد محصولاً عظيماً تأخذ منه و تدع ..

 

من أيام الشيخ محمد عبده و الأفغاني و حسن البنا و المودودى إلى زمان مالك بن نبي و المهدي بن عبود و الزندانىء إلى إبراهيم بن علي الوزير و الشيخ محمد الغزالي و الشعراوى و يس رشدي و الدكتور محمد عمارة و كمال أبو المجد .. موسوعة من الفكر سوف تمد من يقرأها بمدد من الفهم لا ينفذ ..

 

 

و السؤال الذي يخرجون به من وقت لأخر : ألا يحرم الإسلام على المرأة أن تعمل ؟

 

وهم لا يكفون عن ترديده ..

 

و أقول لهم : هاتوا آية واحدة من القرآن تثبت كلامكم ..

و الأمر القرآني للنساء بالقرار في البيوت كان لنساء النبي ..

و كان مشفوعاً في مكان آخر بالآية : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) .

و تلك إذن خصوصية لزوجات الرسول عليه الصلاة و السلام ..

 

و هل رأيتم زوجة ريجان تعمل أو زوجة بوش لها بوتيك .. إن كل واحدة منهما عملها الوحيد زوجها .. و هن زوجات رؤساء علمانيين .. فما بال زوجة سيد البشر و خاتم الأنبياء صاحب الرسالة الكبرى .. كيف يجوز أن يكون لها عمل آخر غير زوجها .

 

الخصوصية هنا واضحة .. و هي لا تنسحب إلا على من كن مثلها من نساء الأمة و من كن في مثل ظروفها ..

 

 

و الكلام الآخر السخيف الذي يرفض الدولة الإسلامية لأنها دولة دينية .. لم يفهم كلمة عمر بن الخطاب و أبى بكر و هم السادة و المثل .. حينما يقول الواحد منهم صبيحة بيعته : " إن أصبت فاعينوني وإن أخطأت فقوموني " .

 

لا عصمة لحاكم إذن .. و لا حكم إلهي في الإسلام .. و إنما هو حكم "مدني" "ديمقراطي" يخطيء صاحبه و يراجع .

 

و قولهم بأن الإسلام يقف سداً منيعاً أمام اجتهاد العقل .. بمقولته الشهيرة : لا اجتهاد مع النص .. و ما أكثر النصوص .. بل القرآن كله نصوص ..

 

أقول لهم : لا يوجد في القرآن نص أكثر تحديداً و صرامة من قطع يد السارق و قد جاء في القرآن هذا النص مطلقاً لا استثناء فيه ..

( و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما )

ومع ذلك فقد اجتهد النبي عليه الصلاة و السلام في فهم النص فلم يطبقه في الحروب .. و اجتهد فيه عمر بن الخطاب فلم يطبقه في عام المجاعة .. و هي استثناءات لم ترد في القرآن .. فضربا بذلك المثل على جواز الإجتهاد و جواز عمل العقل حتى في نص من نصوص الشريعة .. فما بال النصوص الأخرى التي لا تمس حكماً أو عبادة ..

 

 

أما حكاية الفن و التناقض الذي خلقوه بين الفن و الدين ليجعلوا من الإسلام عدواً للجمال ، أقول حتى الشعر و الشعراء الذين قال عنهم القرآن : إنه يتبعهم الغاوون و أنهم في كل وادٍ يهيمون .. و أنهم يقولون مالا يفعلون .. عاد فاستثنى قائلاً .. إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات .. و ينطبق هذا على الفنون كلها .. فهي جميعاً تخضع لنفس القاعدة ..

 

حسنها حسن .. و قبيحها قبيح .. كل ما يدعو منها للخير هو حسن .. و كل ما يدعو للفساد هو فن قبيح .. و هي قاعدة يطبقونها حتى في الغرب .. فهم يقولون عن كثير من الأعمال الفنية إنها رديئة و هابطة .. و الفن الرديء عندهم متهم كما هو في كل مكان ..

 

و المعركة مستمرة ..

 

 

و لكننا في حاجة إلى كتيبة تجدد الدين و تقاتل خصومه بأسلحة العصر و ليس بفتاوى ألف سنة مضت !

 

فالإسلام السياسي هو إسلام ينازع الآخرين سلطاتهم .. و هو بطبيعته يريد أرضاً يقف عليها غيره .. و هو لا يريد أن يحكم بل يريد أن يحرر .. هو يريد أن يحرر أرضه المغتصبة .. ويريد أن يحرر عقولاً قام الأخرون بغسلها و تغريبها .. و يريد أن يسترد أسرتهُ و بيتهُ ..

 

بالكلمة الطيبة و بالحجة و البينة و ليس بتفجير الطائرات و خطف الرهائن ..

بالسياسة لا بالحروب .. بالحوار الحضاري لا بالاشتباك العسكري .. و لكنهم لن يعطوا الفرصة لهذا الحوار الحضاري و هم ينتظرون سقطة من زعامة "متخلفة" و يتعللون بصيحة عنف يصرخ بها "منبر ضال" .. أو عربة ملغومة يفجرها عميل ثم يتطوع عميل آخر ليقول أنها من عمل الجهاد الإسلامي أو شباب محمد أو حزب الله .. ليثيروا بها ثائرة الأبيض و الأحمر و الأصفر على الإسلام و أهله .

 

 

و لكن أهل العلم يعلمون أن العدوان مبيت منذ عشرات السنين منذ سقوط الخلافة العثمانية .. و منذ وعد بلفور و تهجير مطاريد اليهود من أقطار العالم و جمع شتاتهم في " إسرائيل " و إقامة الترسانة النووية و الكيمائية و الميكروبية في داخل القلعة الإسرائيلية .. و تحطيم أي سلاح عربي منافس .

 

هم يخططون من قديم لهذا اليوم ، والمعركة مستمرة ..

 

و سوف تستمر ما بقى من زمان إلى يوم الدين و لن تكون معركة سهلة .. و طوبى لهم .. من كانوا من أبطالها ..

 

 

د. مصطفـى محمـــود

من كتاب : الإسلام السياسي

معضلة الشخص المعطاء والراكب المجاني

من المحمود دائماً البذل والعطاء ومشاركة المعارف بحيث يستفيد منها أكبر قدر من الناس. عندما تتوفر رغبة قوية في العطاء لدى المهنيين، نراها تؤثر...