هل يدرك الفنانون العرب الدور الذي يمكن أن يلعبوه في نمو اقتصاد بلدانهم؟ محدودية آفاق التفكير مأساة. حين يحصر منتج المسلسل طاقاته في نسبة مشاهدة رمضانية، فتلك مأساة. حين يضيّق الموسيقيّ الخناق على الطموح الإبداعي، كرواج ألبوم، فتلك مأساة. وحين وحين... فالاستنتاج هو أن الطاقات الخلاّقة غائبة، فالمبدعون لا يرضون ذلك الإنتاج مظهر إشعاع لفنهم.
هل تذكر الأرقام التي جعلت فرقة «البيتلز»، أو «الخنافس» قيمة مضافة إلى الاقتصاد البريطاني؟ بذلك نالوا تكريم الملكة. في أقل من عقد (1962-69) بلغت مبيعاتهم ستمئة مليون أسطوانة. أهمّ من ذلك بكثير أن 37 ألبوماً لهم حازت مرتبة «الألبوم الأول» عالميّاً. «والت ديزني» يطرح مبحثاً هو في حدّ ذاته، في ظن القلم، محور جديد لا سابقة له في تاريخ الفن: أن يرحل المبدع ويظل إنتاج إبداعه مستمرّاً، لأن الإبداع صار مؤسسة تنتج الأعمال، كما أضحى منشأة اقتصادية: «مدينة ديزني». هل كان ديزني حين خطا الخطوة الأولى على طريق الألف ميل في الرسوم المتحركة يتخيّل أن حلم أطفال العالم سيصبح زيارة المدينة التي تحمل اسمه؟
دع خيالك يشطح، في خيال لم يعد يبدو علميّاً خارج حدود المتصوّر. فكرة استمرار الإبداع بعد رحيل المبدع لن تكون في المستقبل أمراً خارقاً للطبيعة. الذكاء الاصطناعي قد يأتي بما يلوح اليوم مذهلاً. «ديب بلو»، الحاسوب الذي تغلب على بطل العالم في الشطرنج، كاسباروف، شحنوه ببرمجة فيها مباريات شطرنجية عالمية نجومية. حسناً، لنا أن نتخيّل ذكاء اصطناعياً موسيقياً يُبرمج بالمؤلفات الموسيقية الكاملة لموتزارت مثلاً، ويكلّف بتأليف كونشرتوهات، سيمفونيات، سوناتات جديدة لموتزارت لم يؤلفها فولفجانج آمادوس، أو بيتهوفن أو برليوز أو تشايكوفسكي. هذا الموضوع ظريف على ما يبدو، يفتح الشهيّة، نترك تفصيله لعمود آخر. خذ ذلك كعربون. لكن أطلق لخيالك العنان. سترى أنك حلّقت في آفاق لم تخطر على بال القلم.
عندما يحبس الفنان طائر إبداعه في قفص الإنتاج التلفزيوني الرمضاني، أو قنّ ألبوم غنائي، فإن الريش الذي سينمو لخياله سيكون ريش دجاج، لا ريش قوادم وخوافٍ لصقور وعقبان. سوف ينط ولا يحلّق، ولا يمكن أن تحلم أعماله بالارتقاء فوق أسوار الزمان.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكريّة: حين تحدّد إطاراً للإبداع، لا تنس البعد الرابع، البعد الزمني.
الكاتب
عبداللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.com