الأربعاء، 9 يونيو 2021

الوجه الآخر للرشاقة المؤسسية

طفا مؤخراً على سطح الممارسات الإدارية الرشيدة مصطلح «الرشاقة المؤسسية»، متقدماً على مفهوم «المرونة المؤسسية» الذي اعتدنا المناداة به.

يتناول البعض كلا المفهومين دون تفريق، بينما يميّز آخرون بينهما على اعتبار أن المرونة المؤسسية تتحقق عندما تنجح المؤسسة في التعامل مع التحديات الداخلية التي توقعتها حال حدوثها، أما الرشاقة فتمتد لتجبّ ذلك وتدل على قدرة المؤسسة على الاستجابة للمتغيرات في بيئة العمل الداخلية وكذلك الخارجية، خصوصاً تلك غير المتوقعة سواءً لبست حلّة التحديات أو حلّة الفرص.

للرشاقة اليوم أهمية بالغة تستحق أن توصف بالضرورة، وتحتاج إليها المؤسسة لكي تستمر في تحقيق النتائج الجيدة، والذهاب أبعد من ذلك وصولاً إلى الريادة.

على المؤسسة في سعيها نحو الرشاقة أن تتجنب ما يعرف بالرشاقة الناقصة، وتقع عادةً المؤسسات في هذا الفخ عندما تصب جلّ تركيزها على تحقيق الرشاقة في العمليات أو الخدمات أو إدارات بذاتها، وتغضّ الطرف عن باقي أجزاء المؤسسة، مدفوعةً بالرغبة في اختصار الزمن وتقليل التكاليف. تغتبط المؤسسة للوهلة الأولى فتظن أنها أصبحت رشيقة، وما هي إلّا فترة وجيزة حتى تجد عصياً كثيرة قد وضعت في عجلاتها فتكبّل حركتها، وتكبح تقدمها. هذا لأن المؤسسة هي كيان واحد لا يقبل التقسيم، فإن لم تكن المؤسسة رشيقة في التخطيط فلن تكون كذلك في تقديم الخدمات، وإن لم تزرع الرشاقة في موظفيها فلن تصل إلى العمليات الرشيقة، وقس على ذلك.

تختبر المؤسسات الرشيقة في بداية طريقها تضارباً بين روح الرشاقة التي تتوق إلى المرونة والحرية والابتعاد عن الضوابط الصارمة والمراقبة اللصيقة، وبين متطلبات إدارة ومتابعة الأداء المؤسسي والفردي، والمحكومة بأهداف ومؤشرات ومقاييس دقيقة مشبعة بالانضباط والمتابعة. وتكون النتيجة أن تتراخى المؤسسة في متابعة الأداء ما ينعكس سلباً على نتائجها وتحقيق أهدافها. من الضروري أن تدرك المؤسسات أن الرشاقة لا تتعارض مع الالتزام والمتابعة، لا بل أنها بحاجة إلى قدر أكبر من الانضباط الذاتي والتمسك بالقياس والمقارنة.

لا يمكننا كشف مخاطر الطريق إلى الرشاقة المؤسسية دون أن نعرّج على القادة والمديرين ودورهم الأساسي في الوصول إلى الرشاقة المطلوبة، فكم من مؤسسة همّت لتصبح رشيقة، ولكنها لم توفّق نتيجة ثقافة الإدارة التقليدية المنتشرة فيها، وعدم اقتناع المديرين بشكل كامل بهذا المسير، فلا نسمع لجهود التوعية والتدريب والتمكين صدىً، وتبني المؤسسة وتبذل في ذلك من مواردها الثمينة، ولكنها تكتشف أن بناءها واهن لأن أساسها هش وقواعدها ضعيفة.

تفلح المؤسسات في الوصول إلى الريادة عندما تعي جيداً الوجه الآخر للرشاقة، فتتجنب شعابها وأزقتها، وتحرص على السير في دربها الواسع الرحب.

د. راسل قاسم 


معضلة الشخص المعطاء والراكب المجاني

من المحمود دائماً البذل والعطاء ومشاركة المعارف بحيث يستفيد منها أكبر قدر من الناس. عندما تتوفر رغبة قوية في العطاء لدى المهنيين، نراها تؤثر...