لا تخف من أن تكون متردداً
لا تكن بطيئاً… اقتنص الفرصة… اتخذ قرارك بسرعة… لا تتردد…
بعض النصائح تطن في آذاننا على مدار الساعة تدعونا إلى عدم تضييع الوقت أو التسويف، وعلى اتخاذ قراراتنا بأسرع وقت ممكن.
اسمحوا لي هنا أن أرفع راية التردد، وأن أشق طريقاً معاكساً لهذه الحشود، عسى أن يؤنس هذا الطريق البعض فيسلكوه هانئين مطمئني البال.
لدينا انطباع سائد أن الأذكياء والمبتكرين يأخذون قراراتهم بسرعة، للأسف هذا الانطباع غير دقيق وليس نمطاً يمكن الاعتماد عليه.
في أحد التجارب المرتبطة بالتوظيف، طُلب من المتقدمين الإجابة على عدد من الأسئلة، وتم توفير عدة إجابات لكل سؤال للاختيار منها.
من خلال تحليل النتائج، تبين أن الموظفين ذوي القدرات العادية اختاروا الإجابات بشكل أسرع، بينما الموظفين المبدعين استغرقوا وقت أطول وترددوا بعد أن قاموا بالتفكير في كل إجابة متاحة وبحثوا إمكانية أن تكون صحيحة، فحققوا نتائج أقل في مثل هذا النوع من الاختبارات.
ذكر أحد الأبحاث المنشورة في الدورية الشهيرة “علم النفس اليوم”، أن المماطلة في أداء مهمة شاقة أمامك تحفّز عقلك على العمل دون وعي لإيجاد طرق مختلفة لإنجازها، وذلك من خلال تجميع عدد أكبر من الأفكار وتحديد الخيار الأسهل.
من المفارقة أن الحكماء الرومانيين كانوا يلجأون إلى التسويف، ويحضرني أحد الأدباء المبدعين عندما خط في أحد أعماله “لست مستعجلاً من أمري، فإذا كان لا بد من تولي المهام الشاقة عندما تمثل أمامنا، فلا يجب رغم ذلك الهرولة لملاقاتها”.
لا أدعوك هنا إلى الكسل والتقاعس المهني، ولكني أشجعك على أخذ ما تحتاجه من وقت لتبدع، دون أن تضع نفسك تحت ضغط سرعة الإنجاز.
بقلم د. راسل قاسم .