الخميس، 11 أبريل 2013

عودة إلى التسامح

عودة إلى التسامح

في عام 1979، كانت هنالك أحداث كثيرة أثرت على المنطقة سياسيا واجتماعيا، لعل أبرزها الغزو السوفييتي لأفغانستان، والثورة الإيرانية، واقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي. هذه المتغيرات كانت بداية ما يُعرف باسم "الصحوة الدينية" في المنطقة، أو لنقل بداية اكتساحها للمجتمعات، فبداياتها تعود إلى أبعد من ذلك. هذه الأمور الثلاثة متضافرة أدت إلى تحول جذري شامل في السياسة والمجتمع السعودي. فالثورة الإيرانية أدت إلى تأجيج الصراع السعودي ـ الإيراني، حيث إن الدولتين تعتمدان الدين أساسا لنظاميهما، وبالتالي حاولت كل دولة تشجيع ودعم الخطاب السياسي الديني سواء في الداخل أو الخارج: السعودية عن طريق دعم المؤسسات الدعوية في الخارج، ودعم الإسلاميين وخطابهم في الداخل، وإيران عن طريق مبدأ تصدير الثورة.

 

أما الغزو السوفييتي لأفغانستان فقد أدى إلى ظهور المقاومة الأفغانية التي رفعت شعار الجهاد، وهو الأمر الذي جيش الكثير من الشباب خارج أفغانستان، وأدى إلى نشر الخطاب الإسلامي بشكل أكبر اجتماعيا، ودعمه من قبل كل الحكومات في البلدان الإسلامية وبكل الطرق، بل وكانت المقاومة في أفغانستان مدعومة من قبل الولايات المتحدة مستخدمة كورقة سياسية في حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي. ولكن أهم عامل في التغيرات الداخلية في السعودية كان الاقتحام المسلح لجهيمان العتيبي للحرم المكي.

 

قبل حركة جهيمان لم يكن المجتمع السعودي منغلقا، أو متعصبا، بل كانت أوجه التسامح سائدة فيه أكثر من أوجه التعصب والموقف العدائي مع الآخر المختلف، وهذه أمور أعرفها جيدا حيث عايشت المجتمع السعودي في تحولاته قبل وبعد حركة جهيمان المسلحة. كان المجتمع السعودي آنذاك مجتمعا مسلما، يُمارس أفراده أركان الإسلام، ويمارسون حياتهم وفق تعاليمه، ولكنه لم يكن مجتمعا إسلامويا يُحمل الدين أمورا ما أنزل اللـه بها من سلطان، أو يسيسونه ويؤدلجونه وفق هذه المصلحة أو تلك.

 

بعد القضاء على حركة جهيمان، ومع وجود العاملين الأخرين، أي الغزو السوفييتي لأفغانستان وأثره في "الصحوة الإسلامية"، والثورة الإيرانية وتغلغل مبادئها لدى فئات كثيرة من السعوديين الشيعة، مما يعني وجودا لإيران من خلال هؤلاء في السعودية، تغيرت السياسة السعودية تغيرا كبيرا، بحيث أصبحت "الصحوة" وخطابها هو الخطاب الرسمي للدولة في مرحلة من المراحل، وفتحت الأبواب على مصراعيها لرموز الصحوة لأسلمة المجتمع، ووفق مبادئ ليست بعيدة كثيرا عن مبادئ جهيمان وجماعته، بحيث يمكن القول بأن جهيمان قُضي عليه جسديا، ولكنه انتصر فكريا وثقافيا، وأصبح الخطاب الديني المتعصب هو السيد في المملكة، وغاب ذلك المجتمع المرن في علاقاته، سواء مع المختلف المحلي الأجنبي، والذي كان سائدا قبل 1979.

 

لم يكن المجتمع السعودي قبل ذلك التاريخ مثلا حادًّا في قضية المرأة والاختلاط أو الفصل بين الجنسين، كما كان متقبلا لحرية الآخر الدينية طالما أنها لا تمس قناعاته وسلوكياته، ولم يكن هنالك تلك الحدة في التعامل مع المختلف دينيًّا، والتي سادت خلال سنوات "الصحوة"، أو ما يمكن أن يُسمى مرحلة الهيمنة الفكرية الجهيمانية.

 

ثلاثة عقود مرت على السعودية كانت فيها مختطفة اجتماعيا من قبل خطاب الصحوة، وهي اليوم تحاول أن تعود إلى طبيعتها التي كانت عليها، وخاصة بعد كشف المستور من خلال أحداث سبتمبر(أيلول) 2001، وتلك "الغزوات" التي قامت الجماعات الإسلاموية المتطرفة في الداخل، حيث تبين أن الفكر المتطرف لا بد أن يقود إلى العنف في النهاية، أو يمهد الطريق لذلك، وخاصة إذا كان فكرا دينيًا يعد من يُمارس ذلك العنف بالنعيم المقيم في جنة لا موت فيها.

 

ثلاثون عاما من الزمان غُسلت فيها أدمغة الشباب وسُممت عقولهم، بحيث نشأ جيل جديد لا يعرف شيئا عن تسامح آبائه وانفتاح أجداده، ولعل السعودية تحتاج إلى وقت طويل حتى تستطيع محو "آثار العدوان" على الأدمغة والعقول، ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة كما يقولون، والسعودية تخطو اليوم هذه الخطوة.

 

د. تركي الحمد

المصدر – المجلة

http://www.majalla.com/arb/2009/11/article5510936

 

 

معضلة الشخص المعطاء والراكب المجاني

من المحمود دائماً البذل والعطاء ومشاركة المعارف بحيث يستفيد منها أكبر قدر من الناس. عندما تتوفر رغبة قوية في العطاء لدى المهنيين، نراها تؤثر...