الأربعاء، 3 أبريل 2013

إقامات مقصوصة !

إقامات مقصوصة !

خلف الحربي

لا يوجد أي بلد عصري في هذا العالم يستطيع الاستغناء عن العمالة الأجنبية، حتى الولايات المتحدة وكندا والدول الأوربية تعتمد على هذه العمالة في الكثير من المهن بل وتقوم بتجنيس أعداد كبيرة منهم لأن عالم اليوم قائم على المشاركة وتبادل الخبرات، ولكن في ديارنا تم تصوير العمالة الأجنبية وكأنها هي الحاجز الذي يمنع توظيف المواطنين، وبسبب خصوصيتنا أو تعالينا أو حساسيتنا الزائدة من الغرباء أصبحت هذه العمالة معزولة عن المجتمع الذي تعيش فيه وأصبح همها الوحيد هو جمع المال بأي وسيلة وتحويله إلى البلد الأم دون بناء أي علاقة مع أهل البلد الذين يعيشون معهم أغلب سنوات العمر.

هذه العلاقة المتوجسة لم تجلب لنا إلا العمالة الرديئة لأن العامل الجيد يبحث عن ظروف أفضل للحياة، كما أن التعقيدات التي صاحبت عملية فرض السعودة على الشركات الصغيرة بطرق كاريكاتورية شجعت صاحب العمل والعامل على التحايل والالتفاف على أنظمة وزارة العمل، كما أن قسما لا بأس به من المواطنين يعتاشون على بيع الإقامات والمتاجرة بعرق البسطاء من العمال الأجانب وهم واثقون بأنهم لن ينالوا عقابا على جريمتهم الفادحة بحق الوطن وبحق الإنسانية فالعقوبة سوف تصب أولا وأخيرا فوق رأس العامل المسكين الذي دفع دم قلبه لهذا الكفيل الوهمي فيتعرض للتوقيف أو الترحيل أو حتى تمزيق الإقامة.

هذه هي الحقيقة فالعيب فينا وليس في العامل الأجنبي، وصاحب الشركة الذي يرفض توظيف السعوديين ويوظف الأجانب هو سعودي وليس أجنبيا فلماذا نوجه مشاعرنا السلبية في الاتجاه المعاكس؟. ومتى نفهم أن الأخوة الوافدين هم شركاء في بناء هذا الوطن وليسوا مسؤولين عن الإحباطات التي فشلنا في التغلب عليها؟، وهل ندرك خطورة تزايد أعداد المتسللين الذين لا يحملون أي إقامة لتعويض نقص الأيدي العاملة الذي نتجت عن محاصرة العمالة النظامية والتضييق عليها تحت شعار دعم السعودة ؟!.

لو داهمت فرق التفتيش الشركات الكبرى لوجدت المخالفات الحقيقية في غرف المدراء حيث الوافدون الذين جاؤوا بتأشيرة كهربائي أو نجار ليعملوا مديرين تنفيذيين راتب أحدهم مائة ألف ريال يفصل ويوظف الشباب السعوديين كما يحلو له، ولكن كما يقول المثل: (أبوي ما يقدر إلا على أمي) حيث تتركز هذه الحملات على عامل بسيط يبيع في محل بعد أن أخذ كفيله الوهمي المقسوم وتركه يواجه مصيره الصعب في مواجهة أنظمة معقدة تترك المخالف الكبير وتستعرض قوتها على المخالف الصغير.

قد يكون الحل الوحيد لمواجهة مشكلة التلاعب بالإقامات هو إلغاء نظام الكفيل واعتماد قانون للهجرة كما يحدث في الدول الغربية، وهو حل ظهرت بوادره الأولى في شركات خادمات المنازل، كما أنه حل إنساني وقانوني بحيث تكون الدولة هي الكفيل لكل الوافدين النظاميين وهو خطوة إن لم نبادر باتخاذها فسوف تفرض علينا في يوم من الأيام لأن العالم اليوم لا يستوعب فكرة أن يتحكم شخص ما في مصير ورزق شخص آخر.

وأخيرا نقول إن الإقامة المقصوصة أو الممزقة لن تحل مشكلة العمالة غير النظامية بل ستدعم تشغيل المتسللين والمخالفين الحقيقيين لنظام الإقامة!

المصدر عكاظ

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20130402/Con20130402586492.htm

السبت، 1 ديسمبر 2012

العهر في الدماغ !

العهر في الدماغ !

العهر لا يعني بالضرورة البغاء، فالبغاء ليس إلا لونا من ألوان العهر، فهناك العهر السياسي مثل إدانة نظام بشار الأسد مقتل مدنيين في عزة، وهناك العهر الإعلامي وهذا لا يحتاج إلى شرح لأنه متوفر بكثافة، وهناك العهر الاجتماعي مثلما فعل أحد المغردين المتشددين حين وصف المواطنات اللواتي يعملن في أحد مطاعم الوجبات السريعة بـ(العاهرات)!، هكذا بكل سهولة قال: (نادلات في أول الدوام وعاهرات في آخره).

مثل هذا الفكر المتحجر المتشكك كان وما زال السبب الحقيقي في حرمان المرأة السعودية من كل فرص العمل الممكنة، فازدادت الحاجة بين قطاع عريض من المواطنات إلى درجة أن كثيرا منهن أصبحن يتهافتن على وظائف بسيطة جدا، مثل كاشيرة أو مجهزة وجبات من أجل تأمين لقمة العيش الشريف، تركن أحلام الصبا، وتنازلن عن شهاداتهن، ونزلن إلى ميدان العمل الشاق بحثا عن الرزق الحلال.. اخترن الطريق الصعب برواتبه الزهيدة كي يحاربن فقرهن، وبمثلهن تتشرف الأوطان، ومن غير المقبول أن يسمعن مثل هذا الوصف الجارح الذي لا يقره شرع ولا قانون.

من لديه واسطة ونفوذ ومعارف يستطيع بكل سهولة أن يوظف جميع أبنائه وبناته، ثم يلوم الفقراء لأنهم يعملون في وظائف لا تتناسب مع العادات والتقاليد!.

قبل فترة هجم القوم هجمة رجل واحد على الزميل محمد بن عبد اللطيف بعد تغريدته الشهيرة ــ التي أخرجت من سياقها ــ حول السعوديات في دبي، ونحن لا نؤيد الصيغة التي تحدث بها الزميل آل الشيخ، ولكننا نجد أن ما قاله أهون بكثير مما قاله (شيخ الوجبات السريعة) بحق فتيات عفيفات مكافحات، وكل من انتقد آل الشيخ بالأمس وصمت عن ما قاله (شيخ الوجبات السريعة) اليوم هو شخص لا يخجل من ممارسة العهر الأيدلوجي!.

العهر الاقتصادي هو أن يهدد بعض التجار برفع الأسعار إذا لم تتراجع وزارة العمل عن رسوم العمالة الوافدة؟، ما ذنبنا نحن؟، وأين وزارة التجارة كي تتفرج على هذه المساومات والتي بسببها أصبح جيب المواطن كرة مثقوبة في لعبة المناورات؟!، آه.. يا خوفي يرفع التجار الأسعار، ثم يتم إعفاء القطاع الخاص من رسوم العمالة الوافدة في حفل بهيج يحضره وزيرا العمل والتجارة وأعضاء الغرف التجارية.. وبالطبع لن تنخفض الأسعار.. فالذي يصعد لا ينزل.. وأهم شيء الأخلاق!.


المصدر ( جريدة عكاظ ... 2/12/2012 )

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20121202/Con20121202552380.htm



الأحد، 7 أكتوبر 2012

كان يا ما كان

كان يا ما كان

فالحكايات لغة عالمية، تتخطى الحواجز الثقافية، وتَرْتُق فجوة العُمر، وتتجاوز الحدود السياسية. وهي الجسور التي تصلنا بالتاريخ، وذاكرتنا هي الأعمدة التي تحملها عبر الزمن. وعندما نروي نسافر مع السنين، دون أمتعة أو خطط، ودون وجهة أو مواعيد للإقلاع والهبوط، ودون الحاجة إلى مسكن، لأننا حينها نسكن أحداق من يستمعون إلينا، ثم لا نخشى أن نهوي مع دمعاتهم، لأنها ستعود بنا إلى الأرض؛ منبع كل الحكايات الصادقة.

والحكايات امتداد للأرواح، تنشر عبقها، ولكنها لا تُكفكِف دمعها. إنها تشبه يد الأم التي تمسح على صدور أطفالها عندما يبكون، لا ليتوقف الألم، ولكن حتى يستطيعون تحمله.

هل ما زالت قصص البطولة والحب والمعاناة وغيرها تحرك شيئاً في داخلنا؟ لماذا يقول بعضهم: "إن الحب الصادق لا وجود له!" ولماذا يشكك آخرون بقصص البطولة، التي على رغم المبالغة في بعضها، إلا أنها تمنحنا الثقة بأننا قادرون على التغيير. ألا يستحق الأمل أن نحاول مرة أخرى!

يخيل إليّ أننا لم نعد نروي لبعضنا الآخر شيئاً لكي نطمس التاريخ؟ ولكن هل من حقنا فعل ذلك؟ وهل نملك الحق في نسيانه؟ لا جريمة أعظم من كتم الحقيقة إلا نسيانها. لذلك لا تبلغ حكايات النصر حقيقتها القصوى إلا عندما يرويها مهزوم.

مقتطفات من مقال أ. ياسر حارب

المصدر

http://yhareb.com/wp/?p=2473

 

السبت، 29 سبتمبر 2012

لاتتوضأ وأنت في غفلة

لاتتوضأ وأنت في غفلة"

هذه لفتة لطيفة للذين يتوضأون وهم يضحكون أو يتكلمون أو يغتابون .....

سألني صاحبي وهو يحاورني : كيــف تتوضأ ؟

قلت ببرود : كما يتوضأ الناس ...!!

فأخذته موجة من الضحك حتى اغرورقت عيناه بالدموع ثم قال مبتسماً : وكيف يتوضأ الناس ..؟ !

ابتسمت ابتسامة باهتة وقلت : كما تتوضأ أنت …!

قال في نبرة جادة : أما هذه فلا .. لأني أحسب أن وضوئي على شاكلة أخرى غير شاكلة ( أكثر ) الناس ...

قلت على الفور : فصلاتك باطلة يا حبيبي .. !!

فعاد إلى ضحكه ، ولم أشاركه هذه المرة حتى الابتسام ...

ثم سكت وقال : يبد أنك ذهبت بعيداً بعيدا .. إنا أعني ، أنني أتوضأ وأنا في حالة روحية شفافة _ علمني إياها شيخي _ فأجد للوضوء متعة ، ومع المتعة حلاوة ، وفي الحلاوة جمال ، وخلال الجمال سمو ورفعة ومعانٍ كثيرة لا أستطيع التعبير عنها ...!!

وارتسمت علامات استفهام كثيرة على وجهي ,,

فلم يمهلني حتى أسأل وواصل : أسوق بين يديك حديثاً شريفاً فتأمل كلمات النبوة الراقية السامية جيداً :

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ' إذا توضأ المسلم فغسل وجهه : خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع آخر قطر الماء.. فإذا غسل يديه : خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه .. فإذا مسح رجليه : خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه ... حتى يخرج نقياً من الذنوب ...

سكت صاحبي لحظات وأخذ يسحب نفسا من الهواء العليل منتشيا بما كان يذكره من كلمات النبوة ..

ثم حدق في وجهي وقال لو أنك تأملت هذا الحديث جيداً ، فإنك ستجد للوضوء حلاوة ومتعة وأنت تستشعر

أن هذا الماء الذي تغسل به أعضاءك ، ليس سوى نور تغسل به قلبك في الحقيقة !!

قلت : ياااااه !! كيف فاتني هذا المعنى ..!؟ والله أنني أتوضأ منذ سنوات طويلة غير أني لم أستشعر هذا المعنى ..

إنما هي أعضاء أغسلها بالماء ثم أنصرف ، ولم أخرج من لحظات الوضوء بشيء من هذه المعاني الراقية …!

قال صاحبي وقد تهلل وجهه بالنور ..: وعلى هذا حين تجمع قلبك وأنت في لحظات الوضوء ، تجد أنك تشحن هذا القلب بمعانٍ سماوية كثيرة ، تصقل بها قلبك صقلا عجيباً ، وكل ذلك ليس سوى تهيئة للصلاة ....!!

المهم أن عليك أن تجمع قلبك أثناء عملية الوضوء وأنت تغسل أعضاءك ..

 

قلت : هذا إذن مدعاة لي للوضوء مع كل صلاة .. أجدد الوضوء حتى لو كنت على وضوء ..نور على نور .. ومعانٍ تتولد من معانٍٍ ...!! قال وهو يبتسم : بل هذا مدعاة لك أن تتوضأ كلما خرجت من بيتك لتواجه الحياة وأحداثها بقلب مملوء بهذه المعاني السماوية ..

عنْ عُمَر بْنِ الخَطَّابِ رضي اللَّه عَنْهُ عنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « ما مِنْكُمْ مِنْ أَحدٍ يتوضَّأُ فَيُبْلِغُ أَو فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ : أَشْهدُ أَنْ لا إِله إِلاَّاللَّه وحْدَه لا شَريكَ لهُ، وأَشْهدُ أَنَّ مُحمَّدًا عبْدُهُ وَرسُولُه ،إِلاَّ فُتِحَت لَهُ أَبْوابُ الجنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُل من ْأَيِّها شاءَ » رواه مسلم .

وزاد الترمذي : « اللَّهُمَّ اجْعلْني من التَّوَّابِينَ واجْعلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ » .

لو استشعرناه سنشعر بسعادة لا توصف ... جربوه الآن بعد وضوئكم للصلاة القادم

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

هي أشياء لا تُشترى

هي أشياء لا تُشترى

 

- كنتُ على وشك دخول معرضٍ فني في المتحف البريطاني عُرِضَت فيه لوحات وقطع فنية تعكس صورة لندن وأنماط الحياة فيها أيام شكسبير، وكانت زيارة ذلك المعرض إحدى أهدافي من الذهاب إلى لندن. وصلتُ المتحف قبل أن تُغلق أبوابه بقليل، وقبل أن أدخل اتصل بي صديق عزيز جداً، ولأنه غير مسموح لأحد استخدام هاتفه في داخل المعرض؛ قررتُ الوقوف خارجا وبقيتُ أتحدث معه لنصف ساعة حتى أغلق المتحف أبوابه. انتهت المكالمة وعدتُ مشياً إلى الفندق، ولكن بهجتي بالحديث معه كانت أكبر بكثير من تلك التي كنتُ أبحث عنها في التجول بين أروقة المتحف. فلقد استطعتُ أن أشتري تذكرة دخول للمعرض، ولكن هل كان يمكنني أن أشتري ضحكاته وبهجته؟

- دخلتُ مقهى صغيرا في زقاق بعيد نَسِيَتْهُ أرجل المارة، وكنت أحمل في يدي كتابا صغيرا عن التخطيط الاستراتيجي وآليات اتخاذ القرار. تحدث المؤلف في أحد مقاطعه عما سماه "مبدأ آيزنهاور" الذي كان أحد أفضل رؤساء الولايات المتحدة في إدارة الوقت، وقال مرة: "إن معظم القرارات العاجلة التي نتخذها في حياتنا ليست مهمة". ثم يشرح الفرق بين المهم والعاجل، وكيف يجب علينا ألا نقدم الأخير على الأول. اقتربتُ من البائعة وطلبتُ كوب قهوة، وعندما لمحت الكتاب في يدي نادت زميلها وقالت له: "أليس هذا هو نفس الكتاب الذي كنتَ تقرأه قبل أيام؟" فضحك وقال بأنه هو نفسه. أخذتُ قهوتي ودعوته للجلوس معي لأسمع رأيه في الكتاب. تحدثنا قليلا ثم سألته عن العلاقة بين قراءة كتاب كهذا وبين وظيفته، فقال لي: "أقرأه لأنني أود أن أملك سلسلة عالمية للمقاهي حول العالم. وقد تقول عني إنني أحمق؛ فكيف يمكن لبائع بسيط مثلي أن يفكر كذلك، وجوابي قد وجدته عند آيزنهاور. فعملي هذا ضروري لأنه يكسبني خبرة في سوق المقاهي، وقراءتي للكتاب ضرورية لأنها تكسبني معرفة في التخطيط، أما حلمي فمستعجل ولكنه ليس ضروري الآن، لذلك قررت أن أحققه على مهل". يبلغ ذلك الشاب من العمر اثنان وعشرون عاما. أتساءل الآن وأنا أتذكر هدوءه: هل يمكننا شراء الأحلام؟ قلت له قبل أن أنصرف: "حلمك لا يقدر بثمن. فهو ليس المقهى، ولكنه الاستمتاع ببنائه، فلا قيمة للأحلام التي تقدم إلينا على طبق من ذهب".

- دخلتُ محلا تجاريا، وبينما كان الموظف يغلّف الهدايا سألني عن عملي فقلتُ بأنني كاتب. فسألني إن كنت مشهورا، فقلت له ليس بعد. ثم سألني إن كنتُ أسعى للشهرة؟ فقلت له إنني أخشاها جداً، ولكنني سأكذب إن قلت إنها ليست مغرية، ولكنها تحمل الكثير من الالتزامات تجاه القراء، ناهيك عن توقعاتهم اللا محدودة. فقال لي: "لقد كنتُ أُغني إلى جانب عملي هذا، وكنت على وشك أن أصبح مشهورا حتى قال لي أحدهم بأنني إن اشتهرتُ فلن أملك نفسي وسأكون ملكاً للآخرين، وسأكون عرضة لكلام الناس ونقدهم، وسأحارَب وسوف يُشهَّر بي. ثم كل ذلك من أجل ماذا، السعادة؟ وسألني: ألستَ سعيدا الآن!" سَكَتَ قليلا ثم أردَف: "هل ترى أولئك المشاهير الذين يلبسون أقنعة ونظارات سوداء كلما خرجوا من بيوتهم؟ أراهن بأن أيا منهم مستعد لاستبدال حياته مع حياتي". خرجت وأنا أقول لنفسي: "حقا، لا يمكننا أن نستمتع بالحياة من وراء الأقنعة". ثم وقفتُ على الرصيف وتساءلتُ: ماذا لو كان بين هذه المحلات محلا لبيع القَناعة؟

- في طريقي إلى المطار سألني سائق التاكسي: "هل أنت مؤمن يا سيدي" فقلت له نعم، لماذا؟ فقال: "كنتُ عندما أرى الناس حولي تعساء أقول في نفسي إنهم ليسوا مؤمنين ولذلك فإنهم لا يعرفون طعم السعادة. ولكنني وجدت بأن هناك آخرون يصلون ويؤدون جميع الفرائض إلا أنهم تعساء أيضاً. هل تعرف السبب؟ لأنهم ينظرون إلى علاقتهم مع الله على أنها صفقة؛ يؤدون فرائضه حتى يرزقهم في الدنيا ثم يدخلهم الجنة في الآخرة. يقرأون القرآن فيستخلصون منه شروطا تشبه شروط الصفقات التجارية: هذا ما سنقدمه وهذا ما سنحصل عليه!" فقلت له أليس ذلك طبيعيا؟ فقال: "كلا، فلو عبدنا الله لذاته وعظمته فقط لكُنّا سعداء؛ لأننا حينها فقط سندرك معنى الإيمان الخالص. انظر إليَّ، لا أعرف إن كنت سأدخل الجنة أم لا، ولكنني سعيد جداً بعبادته" قلت له: "صدقت؛ الإيمان الخالص والحب الخالد يأتيان دون شروط". تساءلتُ وأنا أجر حقائبي في المطار: لو كان الإيمان الخالص يُشترى فمن منّا سيستطيع شراءه؟

- الرضى عن النفسي، القبول بالذات والتصالح معها، التسامح مع الآخرين، الابتسامة النقية، الصداقة الخالصة، الحب الخالد… وأشياء منسية أخرى هي أشياء لا تُشترى، ليس لأنها غالية الثمن، ولكن لأنها تفقد قيمتها عندما نضع لها ثمنا.

 

ياسر حارب

15 / 9 /2012

المصدر

http://yhareb.com/wp/?p=2437

 

معضلة الشخص المعطاء والراكب المجاني

من المحمود دائماً البذل والعطاء ومشاركة المعارف بحيث يستفيد منها أكبر قدر من الناس. عندما تتوفر رغبة قوية في العطاء لدى المهنيين، نراها تؤثر...